ومضة قانونية البيع على الخارطة: فرصة استثمارية أم فخ تعاقدي أصبح عقد ال... ومضة قانونية البيع على الخارطة: فرصة استثمارية أم فخ تعاقدي أصبح عقد البيع على الخارطة من الأدوات الرائجة في السوق العقاري المعاصر، ويُقصد به الاتفاق الذي يُبرم بين المطوّر العقاري (المالك) والمشتري ، لبيع وحدة عقارية – كالشقة أو الفيلا أو المحل التجاري – لم يتم إنشاؤها بعد أو لا تزال قيد الإنشاء، وذلك استناداً إلى مخططات هندسية معتمدة رسمياً ، ويُتيح هذا النوع من العقود للمطور العقاري تسويق وبيع الوحدات قبل تنفيذها فعلياً، مما يُوفّر له تمويلاً مبدئياً لتنفيذ المشروع، وفي الوقت ذاته يُمكّن المشتري من تملّك وحدة بسعر أقل من السعر المتوقع عند اكتمال البناء. ورغم ما يتيحه هذا النموذج من مزايا اقتصادية لكل من المطور والمشتري، إلاّ أن الواقع العملي يكشف عن عدد من المخاطر، لا سيما تلك المرتبطة بصياغة العقود، التي قد تُصاغ بطريقة تُرجّح كفة المطوّر على حساب حقوق المشتري. من أبرز الملاحظات على بعض عقود البيع على الخارطة، هو عدم التوازن في الالتزامات التعاقدية، لاسيما ما يتعلق بمواعيد التسليم، ففي بعض العقود، يُلزم المطور نفسه بتسليم الوحدة العقارية خلال مدة معينة، إلاَ أن ذات العقد يمنحه حق تمديد هذه المدة متى شاء، أو بناءً على ظروف غير مُحددة بدقة، وهذا يضع المشتري في موقع ضعف قانوني، وقد يُفضي إلى تأخر غير مبرر في التسليم دون أن يكون للمشتري حق واضح في الاعتراض أو المطالبة بالتعويض. كذلك، تتضمن بعض هذه العقود نصوصاً تمنح المطور أو المالك حرية تعديل المخططات أو المواصفات الفنية بعد التعاقد، سواء من حيث الشكل الخارجي للمبنى أو التصاميم الداخلية أو حتى الألوان، وكل ذلك دون الرجوع إلى المشتري أو أخذ موافقته المسبقة، ومثل هذه الصياغات تُفرغ العقد من مضمونه، لأن المشتري يُفترض أن يكون قد اتخذ قراره بناءً على تصميم معين ووصف دقيق للوحدة محل التعاقد. وعلى المشتري أن يُولي عناية خاصة للبنود المتعلقة بالرسوم، سواء كانت رسوم توصيل الكهرباء والمياه، أو رسوم استهلاكهما، أو غيرها من التكاليف التشغيلية، مع ضرورة النص صراحة في العقد على الطرف المُلزَم بتحمل كل نوع من هذه الرسوم بشكل مفصل كما يجب التأكيد على أن المشتري لا يتحمّل أي رسوم تشغيلية، كالكهرباء والماء والهاتف، قبل التاريخ الفعلي لاستلامه للوحدة العقارية. نظّم المشرّع العُماني موثوقية السوق العقاري عبر اعتماد نظام حساب الضمان لمشروعات التطوير العقاري، الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم 30/2018 ولائحته التنفيذية رقم 72/2019، والذي يشكّل الإطار القانوني الرئيسي لضمان استمرارية المشاريع العقارية وحماية حقوق المشترين، وقد أوجب هذا النظام عدداً من الضمانات الأساسية التي تهدف إلى تأمين مصالح المشترين، من أبرزها: • وجوب حصول المطور العقاري على ترخيص مسبق من وزارة الإسكان والتخطيط العمراني قبل الإعلان أو التسويق أو البيع لأي وحدة على الخارطة. • على المطور العقاري إنشاء حساب ضمان مصرفي مستقل لكل مشروع عقاري، تودع فيه مبالغ المشترين، ولا تُصرف منه إلا وفقاً لنسب الإنجاز الفعلي للمشروع وتحت إشراف الجهة المختصة، وهذه ضمانة لحقوق المشتري واستمرارية المشروع. ورغم هذا التنظيم، تظل صياغة العقود نقطة ضعف أساسية، إذ قد ينجح بعض المطورين في تمرير بنود مطاطة أو مجحفة، خاصة في ظل ضعف وعي بعض المشترين. إن التوصية الأهم للمشتري عند التعاقد بنظام البيع على الخارطة، هي ضرورة قراءة العقد بعناية فائقة، مع التأكد من حصول المطور العقاري على الترخيص اللازم من وزارة الإسكان والتخطيط العمراني للمشروع محل التعاقد، وكذلك التحقق من قيام المطور بفتح حساب ضمان باسم المشروع لدى أحد المصارف المرخصة، كما يُستحسن أن يلجأ المشتري إلى استشارة قانونية متخصصة لفهم بنود العقد وتقدير آثارها القانونية، فقد تتضمن العقود بنوداً صغيرة في صياغتها لكنها ذات أثر كبير في موازين الحقوق والالتزامات. ختاماً، لا شك أن البيع على الخارطة يُعد فرصة واعدة لكل من المطور والمشتري، إلا أن تحقيق هذه الفرصة بنجاح مرهون بوضوح العقد وعدالته لكلا الطرفين، ومن هنا تبرز أهمية أن يتحقق المشتري من تفاصيل المخططات والمواصفات الفنية بدقة، ويقارنها بما ورد صراحة في العقد، مع تجنّب الانجراف خلف الإعلانات التسويقية الجاذبة دون ضمان تعاقدي واضح. سلطان بن محمد بن صالح البلوشي ماجستير في القانون / محامي عليا